עמוד:63
. 5 إن تأمل الشاعر لما يجري في داخله عمل عسير . إنها نفس الصعوبة التي تعترض الوردة حينما تحاول أن تشم عطرها ، والفم حين يحاول تقبيل نفسه ... لذلك ليس عندي أية نظرية عن ذلك الزلزال الذي يركض تحت سطح جلدي . من أين يجيء ... وإلى أين يذهب؟ . 6 أنا أتلقى الزلزال مستسلما ومدهوشا ... وأخرج من تحت رمادي وخرائبي ولا أدري ما الذي حصل ... وكما لا يمكن توقيت الزلزال لا يمكن توقيت الشعر ... إنه هجمة مباغتة تشق حفرة كبيرة في سكوننا ، وفي وجودنا ، وتنسحب قبل أن نستطيع اللحاق بها ... هذا انطباع أولي عما يحدث . إنه خاص بي . ويجوز أن تكون تجربة غيري مختلفة تماما ... لذلك أقول ليس للشعر نظرية . كل شاعر يحمل نظريته معه ... لو كان الشعر وصفة ، لأمكن تركيبه في دكاكين العطارين ، ولو كانت القصيدة شجرة لاكتشفنا في أوراقها وغصونها وجذورها كل تاريخ الشجر .. لكن الشعر سائل شديد التبخر والتمدد ، وإفراز إنساني لا يطيق سكنى الأوعية والقوارير ... الشاعر يكتب ، ولكنه أسوأ من أن يفسر كيمياء الكتابة ، ويموت على دفاتره ولكنه لا يستطيع تفسير موته الشعري . . 7 لو طلبنا من " شكسبير " أن يشرح لنا الطريقة التي صنع بها ( هاملت ) لتلكأ ... ولو سألنا " بيتهوفن " أن يحدثنا عن ميلاد ( التاسعة ) أو ( الخامسة ) أو ( الثالثة ) لأكلته الحيرة ... ولو سألنا " روبنس" أو " ماتيس " أو " فان جوخ " أو " غويا " أو " إلغريكو " عن طريقة زواج الألوان والظلال لديهم ... لتلفتوا إلى بعضهم مندهشين ... نزار قباني ، " الرقص بالكلمات " ، الأعمال النثرية الكاملة ، 1993
|