עמוד:163
أنا اقيم ذاتي صور من الذاكرة بالأبيض والأسود 1 كان على والديك أن يدخلاك مدرشة في الرامة ، واختارا لك مدرشة اللاتين الابتدائية التي يديرها الأب الإيطالي ميشيل ، والذي تحول فيما بعد إلى شخْصية أشطورية لقدرته المفترضة في الكشف عن الأمراض والأشياء المخْفية في أماكن بعيدة . 2 كان الأب ميشيل والراهبات في مبتهى اللطف معك وتبادلوا الزيارات مع أفراد أشرتك ، ولا شك في أن السَبتين اللتين قضيتهما في مدرشة الدير قبل انتقالك إلى المدرشة الابتدائية الحكومية ، شكلتا قاعدة طيبة مبسَجمة مع تربيتك المبزلية الرافضة للتعصب الديبي والمذهبي ، والمشجعة على الانفتاح وتقبل الآخر والتفاعل معه فكريا وثقافيا واجتماعيا وحضاريا . 3 في المدرشة الابتدائية القائمة في بباية روشية قديمة ، ظهرت ميولك الثقافية الأولى ، فأصبحت عضوا في جوقة الإنشاد المدرشية ، وكبت تقف مع المجموعة التي اختارها المعلم شليم في زاوية السَاحة صبيحة كل يوم لتقديم الأناشيد . 4 وبأشرع من توقعات الإيقاع العام المألوف ، تحولت إلى نجم مسَرحي للمشاركة البشطة بأدوار البطولة في المسَرحيات المدرشية . وكبت في الصف السَابع الابتدائي حين اكتشف معلم اللغة العربية " شاعرا في الصف " من خلال موضوع إنشائي وردت فيه مقاطع موزونة ومقفاة ، وذهلت حين اتضح أنك أنت هو " الشاعر " الذي أشار إليه معلم اللغة العربية . 5 وحين قدمت إلى المدرشة في الغداة شاحبا محبطا ، وأخبرت المعلم أنك شهرت الليل ولم تسَتطع كتابة قصيدة جديدة ، فقد داعب المعلم إلياس شعرك ضاحكا : " لا تذهب إلى القصيدة يا ببي ، دعها هي تأتي إليك ، وشتأتي ... لا تقلق " . كان هذا هو الدرس الأول في البقد الأدبي الذي تعلمته في طفولتك وطفولة قصيدتك ، وتمسَكت بعبرته طيلة حياتك اللاحقة . ا لسَاعة الرابعة وثلاث دقائق فجر الأحد 2 / 10 / 2005
|