עמוד:86
قال أحدهم : "كذاب " ! قلت : "إنت كذاب . تعال وشوف . " ثم التفت إلى الآخرين وقلت : "يلا تعالوا إلى بيتنا ، عندنا هيطلية . " قالوا : "ولكن نخاف من أمك . " قلت : "أمي ذهبت مع جدتي إلى السوق . " أخذنا نتقافز ونتراكض باتجاه بيتنا . كان الباب الخارجي كالعادة مفتوحا . أدخلت أصدقائي ، ودفعنا معا الباب الحديدي الكبير . ودخلنا جميعا ، كنا سبعة أو ثمانية . رغم العتمة ، كانت قصعة الأرز بالحليب تتوهج كالشمس في ركن البيت . سحبتها إلى بقعة قرب الباب للمزيد من الضوء ، وقلت للأولاد : " اقعدوا . " وقعدوا على الأرض جميعا في حلقة حول الطبق الأبيض ، فصحت بهم : " انتظروا ! لا تأكلوا بأيديكم عندنا ملاعق . " ! وجدت قرب البابور صحنا فيه عدد من ملاعق الخشب والألومينيوم بأحجام مختلفة ، وزعتها عليهم ، واحدا واحدا ، ووجدت أنه لم تبق لي ملعقة ، وراحوا هم يأكلون . فتناولت المغرفة بسرعة ، وشققت لي مكانا بينهم وغرفت بها ، وأكلت مع الآكلين . وفي تلك اللحظات الرائعة ، وعندما كدنا نأتي على ما في القصعة ، دخلت أمي ووراءها جدتي ، وصاحت بنا صيحة اهتزت لها الجدران ، ورمى الصبية عنهم ملاعقهم ، ونفذوا بسرعة العفاريت من الباب المفتوح . وجدتني أنا أيضا أسابق الريح ، وقد تشتت أصدقائي في كل اتجاه ، وبقيت أركض حتى وصلت باب كنيسة المهد بهور النفس ، وحيدا رفيق م حينئذ أدركت أنه لم يبق لأبي شيء يأكله في المساء عند عودته متعبا من العمل ، وأنا السبب ، فخفت أن أرجع إلى البيت .
|