עמוד:134
طور الشيخوخة ، ولكنه لم يرزق هذا المولود . عندما سمع خليل صوت أبي شاكر أحس أنه بحاجة إلى صوت كصوته ليرقد فيه وليقول كل ما يجيش في صدره وهو مطمئن : " خير إن شاء الله ، تأخرت" قال أبو شاكر وهو يقترب . "أضعت قلم الحبر . " قال خليل وهو يحس أنه يكذب . صدق أبو شاكر ما قاله خليل كعادته ، فقد كان يصدق كل ما يقوله له التلاميذ .. ثم إنه بدأ يبحثُ عن القلم مع خليل الذي تظاهر بالبحثُ عن القلم . لكن خليل خاف أن يضيع وقتا في بحثُ لا فائدة منه ، وهو يريد أن يعمل شيئا . لذلك فإنه ابتعد عن أبي شاكر بعض المسافة ، وانتهز فرصة انشغاله بالبحثُ بين الحجارة والأعشاب الصغيرة ، وأخرج القلم من الحقيبة ، ثم تظاهر بالفرح وصاح : " ها هو يا أبو شاكر . " فابتسم أبو شاكر وقال بصوته الدافى : "الحمد لله ع السلامة . " " لله يسلمك ! بخاطرك" قال خليل وهو يبتعد . "مع السلامة يا ابني ! لله يحفظك . ! " خرج خليل من ساحة المدرسة ، وهو لا يعرف أين يتجه . فهو يريد أن ينفرد بنفسه بعيدا عن الناس . يريد أن يفكر . يريد أن يعمل شيئا ما . المدرسة تبعد عن القرية بعض المسافة غربا . يلي حديقتها من الجهة الغربية كرم من أشجار الزيتون الرومية . وقرر أن يذهب إلى هناك ليستطيع أن يجلس وحيدا ، يفكر ، ويعمل ما يريد دون أن يراه أحد ، خاصة وأن الفلاحين في هذا الوقت- الثالثة بعد الظهر- يتركون حقولهم ، ويعودون إلى بيوتهم . وفوق ذلك فالأرض موحلة ، والغيم يحجب السماء الزرقاء عن الأنظار ، والريح تهب من الجهة الجنوبية الغربية منذرة بسقوط الأمطار . كل هذہ الدلائل والمظاهر ليست بكثيرة على ذلك اليوم – اليوم الثاني والعشرين من كانون الثاني . رغم إحساس خليل بالبرد فقد ذهب إلى هناك ، واختار جذع شجرة كبيرا ، واحتمى به من الريح الشديدة ، وما أن استقر في مكانه حتى تلفت حوله كالمذعور ، ثم فتح شهادته ، وراح يقرأ من جديد ، وراحت الشهادة تحدق فيه كأن لها عينين ناريتين . أحس خليل ساعتئذ بدموع سخينة تسيل على وجنتيه ، فانتبه إلى نفسه ، وأراد أن يعرف السبب . ولكنه لم يستطع أن يحدد إن كانت هذہ الدموع من تأثير الريح الباردة التي تؤذيه ، أم من شيء آخر . عن : "روايةأجبحة العواطف ، " شليم خوري ( بتصرف )
|