עמוד:54
اﻟﺘﺴﺎﻣﺢ أﺣﺪ ﺷﺮوط ﺗﺤﻘﻴﻖ اﻟﺘﻌﺪدﻳﺔ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ أﻧﻬﺎ ﻗﻴﻤﺔ ﻓﻲ اﻟﺪوﻟﺔ هﻮ أن ﺗﺘﺒﻨّﻰ اﻟﺪوﻟﺔ واﻟﻤﺠﺘﻤﻊ اﻟﺘﺴﺎﻣﺢ ﻟﻴﻜﻮن )ﻗﻴﻤﺔ ( ﻓﻴﻬﻤﺎ .ﻗﻴﻤﺔ اﻟﺘﺴﺎﻣﺢ ﻧﺎﺟﻤﺔ ﻋﻦ اﻻﻋﺘﺮاف ﺑﻜﺮاﻣﺔ اﻹﻧﺴﺎن وﺣﺮﻳﺘﻪ ﻓﻲ أن ﻳﻜﻮن ﻣﺨﺘﻠﻔﺎ ﻋﻦ اﻟﺒﺸﺮ اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﻴﻦ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ اﻟﻤﻈﻬﺮ، ﻟﻮن اﻟﺒﺸﺮة، اﻟﺠﻨﺲ واﻟﺪﻳﺎﻧﺔ واﻟﻤﻌﺘﻘﺪات .اﻟﺘﺴﺎﻣﺢ ﻳﻈﻬﺮ ﻓﻲ ﺣﻘﻴﻘﺔ أن اﻟﻤﻮاﻃﻨﻴﻦ واﻟﺴﻠﻄﺔ ﻳﺘﻴﺤﻮن ﻟﻠﻤﺠﻤﻮﻋﺎت واﻷﻓﺮاد أﺻﺤﺎب اﻵراء اﻻﺳﺘﺜﻨﺎﺋﻴﺔ ﺑﺄم ﻳﻌﺒﺮوا ﻋﻨﻬﺎ، وﻣﺤﺎوﻟﺔ اﻟﺘﺄﺛﻴﺮ ﻟﺘﻘﺒﻞ ﻣﻮﻗﻔﻬﻢ ﻓﻲ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ .وﻗﺪ أﺟﺎد ﻓﻮﻟﺘﻴﺮ )1763 (اﻟﺘﻌﺒﻴﺮ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻗﺎل" :أﻧﺎ ﻻ أواﻓﻘﻚ اﻟﺮأي، ﻟﻜﻨﻲ أداﻓﻊ ﺣﺘﻰ ﺁﺧﺮ رﻣﻘﻚ ﻋﻦ ﺣﻘﻚ ﻓﻲ ﻗﻮل رأﻳﻚ ."واﻟﻤﻘﺼﻮد هﻢ ﻃﺒﻌﺎ اﻵراء اﻟﺘﻲ ﺗﺘﻌﻠﻖ ﺑﺎﻟﻤﺠﺎﻻت ﻏﻴﺮ اﻟﻤﺸﻤﻮﻟﺔ ﻓﻲ ﺗﻮاﻓﻖ آﺎﻓﺔ ﻣﺮآﺒﺎت اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ .اﻷﺻﻞ اﻟﺜﻼﺛﻲ ﻟﻜﻠﻤﺔ اﻟﺘﺴﺎﻣﺢ ﻓﻲ اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ هﻮ "س م ح "ﺑﻤﻌﻨﻰ اﻟﺘﺴﺎهﻞ، ﺣﻴﺚ اﻟﻤﻘﺼﻮد هﻮ وﺟﻮد ﺣﺎﻟﺔ ﻣﻦ "اﻟﺘﻨﺎﻓﺲ "ﻣﻊ ﻃﺮف ﺁﺧﺮ، اﻷﻓﻜﺎر، اﻟﻤﻌﺘﻘﺪات واﻟﻨﻈﺮات اﻟﻔﻠﺴﻔﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺘﻌﺎرض "ﺗﻨﺎﻓﺲ "ﻣﻊ ﻣﺎ اﻋﺘﻘﺪﻩ وﺗﺠﻌﻠﻨﻲ أﺷﻌﺮ ﺑﻌﺪم ارﺗﻴﺎح .اﻟﺤﻴﺎة ﻓﻲ ﻣﺠﺘﻤﻊ دﻳﻤﻘﺮاﻃﻲ ﺗﻌﺪدي ﺗﻌﻨﻲ أﻳﻀًﺎ ﺷﻌﻮر ﺑﻌﺾ اﻷﻓﺮاد ﻓﻲ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺑﻌﺪم اﻻرﺗﻴﺎح .ﻣﺜﻼ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻠﻤﺎﻧﻲ أن ﻳﻌﺮف أن اﻟﻌﻴﺶ اﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ اﻟﻤﺘﺪﻳﻨﻴﻦ ﻳﺆدي أﺣﻴﺎﻧًﺎ إﻟﻰ اﻟﺸﻌﻮر ﺑﻌﺪم اﻻرﺗﻴﺎح، وﻟﻜﻦ ﻋﻠﻴﻪ أن ﻳﺘﺤﻤﻞ ذﻟﻚ وﻳﺘﺴﺎهﻞ ﻣﻌﻪ .واﻟﻌﻜﺲ هﻮ ﺻﺤﻴﺢ آﺬﻟﻚ .ﻋﻠﻰ اﻻﺷﺘﺮاآﻲ أن ﻳﻌﺮف أن اﻟﻌﻴﺶ ﻣﻊ اﻟﺮأﺳﻤﺎﻟﻲ ﻳﺆدي إﻟﻰ اﻟﺸﻌﻮر ﺑﻌﺪم اﻻرﺗﻴﺎح، واﻟﻌﻜﺲ ﺻﺤﻴﺢ .اﻟﺘﺴﺎﻣﺢ ﻳﻌﻨﻲ ﺗﻘﺒﻞ وﺗﺤﻤﻞ ﻋﺪم اﻻرﺗﻴﺎح واﻟﺘﺴﺎهﻞ واﻟﺘﻌﺎﻳﺶ ﻣﻊ هﺬا اﻷﻣﺮ. ﻣﻦ اﻟﻤﻬﻢ أن ﻧﺸﻴﺮ إﻟﻰ أن اﻟﺘﺼﻮر اﻟﺪﻳﻤﻘﺮاﻃﻲ ﻗﺎﺋﻢ ﻋﻠﻰ اﻟﺸﻚ، ﺑﻤﻌﻨﻰ ﻣﻌﺮﻓﺔ أن ﻟﻴﺴﺖ هﻨﺎك ﺣﻘﺎﺋﻖ ﻣﻄﻠﻘﺔ . وﺑﺴﺒﺐ هﺬا اﻟﺸﻚ ﺗﺪﻋﻮ اﻟﺤﺎﺟﺔ ﻟﻠﺘﺴﺎﻣﺢ، ذﻟﻚ أن ﻻ أﺣﺪ ﻳﻌﺮف ﻣﺎ هﻮ اﻷﻣﺮ "اﻟﺼﺤﻴﺢ "ﺣﻘﺎ. اﻟﺘﺴﺎﻣﺢ ﻳﻌﺘﺒﺮ ﻣﺒﺪأ هﺎﻣﺎ ﻓﻲ اﻟﺪﻳﻤﻘﺮاﻃﻴﺔ ﻟﻸﺳﺒﺎب اﻟﺘﺎﻟﻴﺔ: • ﺑﻔﻀﻠﻪ ﻳﻨﺎل اﻟﻔﺮد واﻟﺠﻤﺎﻋﺔ اﻟﺤﻘﻮق ﻓﻲ اﻟﺪوﻟﺔ ﻣﺜﻞ ﺣﺮﻳﺔ اﻟﺘﻌﺒﻴﺮ ﻋﻦ اﻵراء اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ، ﺣﺮﻳﺔ اﻧﺘﻈﺎم آﻞ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ، اﻻﺧﺘﻼف واﻟﻤﺴﺎواة ﺑﻴﻦ اﻷﻓﺮاد واﻟﻤﺠﻤﻮﻋﺎت اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ. • اﻟﺘﺴﺎﻣﺢ اﻟﺴﻴﺎﺳﻲ ﻳﺘﻴﺢ اﻟﻤﻨﺎﻓﺴﺔ اﻟﺤﺮة واﻻﻧﻔﺘﺎح ﻓﻲ اﻟﺠﻬﺎز اﻟﺴﻴﺎﺳﻲ أﻣﺎم ﺁراء ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ، ﺣﺘﻰ وإن آﺎﻧﺖ ﻏﻴﺮ ﻣﻘﺒﻮﻟﺔ .وهﻜﺬا ﻧﺸﺄ ﺳﻮق ﺣﺮة ﻣﻦ اﻵراء .ﻓﻴﺘﻌﺮف اﻟﻤﻮاﻃﻨﻮن ﻋﻠﻰ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ آﺒﻴﺮة ﻣﻦ اﻵراء، وﺑﺈﻣﻜﺎﻧﻬﻢ ﺗﻔﺤﺼﻬﺎ. • اﻟﺘﺴﺎﻣﺢ اﻟﺴﻴﺎﺳﻲ ﻳﻌﻄﻲ ﺷﺮﻋﻴﺔ ﻵراء ﻣﻤﺜﻠﻲ اﻟﻤﺠﻤﻮﻋﺎت اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ، وﻣﻨﻬﺎ ﻣﺠﻤﻮﻋﺎت اﻟﻤﻌﺎرﺿﺔ )ﺗﻠﻚ اﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﺸﺎرك ﻓﻲ اﻟﺤﻜﻢ وﻻ ﺗﻮاﻓﻖ ﺁراء اﻟﻘﺎﺋﻤﻴﻦ ﻋﻠﻰ اﻟﺴﻠﻄﺔ .(وهﺬا ﻳﻀﻊ اﻷﺳﺎس اﻟﺸﺮﻋﻲ ﻹﻣﻜﺎﻧﻴﺔ اﺳﺘﺒﺪال اﻟﺴﻠﻄﺔ، ﺣﻴﺚ ﻳﻌﺘﺒﺮ هﺬا ﺷﺮﻃﺎ ﺿﺮورﻳﺎ ﻟﻮﺟﻮد اﻟﻨﻈﺎم اﻟﺪﻳﻤﻘﺮاﻃﻲ اﻟﺴﻠﻴﻢ. • اﻟﺘﺴﺎﻣﺢ ﻳﺴﻬﻢ ﻓﻲ اﺳﺘﻘﺮار اﻟﺴﻠﻄﺔ واﻟﻤﺠﺘﻤﻊ، ذﻟﻚ أﻧﻪ ﻳﺘﻴﺢ إﺟﺮاء ﻧﻘﺎش ﻣﺎ ﺑﻴﻦ اﻵراء اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ وﻓﻘﺎ ﻟﻘﻮاﻋﺪ اﻟﻠﻌﺒﺔ اﻟﺪﻳﻤﻘﺮاﻃﻴﺔ وﺑﺪون ﻋﻨﻒ، ﺣﺘﻰ ﻓﻲ ﻣﻮاﺿﻴﻊ ﺣﺴﺎﺳﺔ، ﻣﺜﻞ اﺧﺘﻼف اﻵراء اﻷﻳﺪﻳﻮﻟﻮﺟﻴﺔ . هﻜﺬا ﻳﻤﻜﻦ ﻟﻜﻞ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ أن ﺗﺸﺎرك ﻋﻠﻨﺎ ﻓﻲ اﻟﻌﻤﻠﻴﺔ اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﺪوﻟﺔ، وﻟﻴﺲ هﻨﺎك ﺧﻮف ﻣﻦ أن ﺗﺘﺤﻮل اﻟﻤﺠﻤﻮﻋﺔ إﻟﻰ ﺣﺮآﺔ ﻣﻘﺎوﻣﺔ ﺳﺮﻳﺔ، ﺑﺤﻴﺚ ﺗﺸﻜﻞ ﺧﻄﺮا ﻋﻠﻰ اﻻﺳﺘﻘﺮار ﻓﻲ اﻟﺪوﻟﺔ.
|