עמוד:46

بدأ باخوم رحلته وهو يركض بمنتهى القوة والخفة والنشاط ، وكان كلما قطع مرحلة كبيرة وأراد الوقوف عندها ، أغرته خصوبة الأرض فاستمر في الركض . وظل يركض ويركض إلى أن انتصف به النهار ، واشتد به التعب ؛ فجلس للحظات تناول فيها بعض الطعام ، وشرب بعض رشفات من الماء . ثم قام ليبدأ راجعا ؛ فأخذ يركض إلى الناحية الثانية ، ولما رأى أن الوقت قد مضى ، أخذ يلهث إلى الناحية الثالثة . وكان العصر قد أقبل ، ففكر أن يعود إلى النقطة التي بدأ منها حتى لا يخسر كل شيء ، قائلا في نفسه : " حسبي ما أخذت من ههنا ؛ يلزمني أن أميل إلى تلك الجهة " ، ولكنه أحس بالتعب الشديد ، وبدأ يخلع ثيابه قطعة فقطعة ، حتى حذاءه لم يطق أن يبقيه ، فخلعه وجعل يركض ، وقدماه تمزقهما الأشواك والحجارة الحادة . ولما اشتد به التعب فوق الطاقة ، فكر أن يجلس ليستريح ولو للحظات ، ولكنه أبصر الشمس تنحدر نحو المغيب ، فاستمد من ضعفه قوة ، فجعل يركض ويركض وأنفاسه تخرج متدافعة ، لا يكاد يرسل النفس حتى يلاحقه الآخر . وقبل أن يصل إلى سفح الجبل غابت الشمس ، فخار واضطرب اضطرابا عنيفا ، ولكنه تذك ّر أن الشمس في السفح قبل القمة ، وإذ ذاك كافح مرة أخرى ، وأخذ يجري ويجري بكل ما لديه من بقايا خافتة من العزم والقوة . ولما وصل قبل مغيب آخر شعاع من الشمس ، استقبلته الجماعة بهتاف عظيم ، وقال له الرئيس : - هنيئا لك يا بطل ! قطعة الأرض التي امتلكتها كبيرة جدا . وما إن مد " باخوم " يده ليصافح الرئيس ، حتى انفجر الدم من فمه ، وسقط إلى الأرض . أسرع الناس ليسعفوه ، لكنه كان قد صار جثة هامدة . ألقى شيخ القرية بمجرفة وأمر بدفن باخوم ، فحفرت له حفرة ليوارى فيها . وهكذا ... لم يحتج " باخوم" لأكثر من مساحة صغيرة من الأرض يوارى تحت ترابها ، هي مقدار " ما يحتاج إليه الإنسان من الأرض " .

מטח : המרכז לטכנולוגיה חינוכית


לצפייה מיטבית ורציפה בכותר