|
עמוד:40
يتناول الاقتصاد ، وبمزيد من التفصيل ، حالة شخص واحد منفرد يتخذ إجراءات معينة تهدف إلى تحسين وضعه . عادة ما يطلق على ذلك اسم " اقتصاد كروزو " نسبة إلى الشخصية الروائية " روبنسون كروزو " 1 الذي تحطمت سفينته على ضفاف جزيرة بدت مهجورة ، لم يقابل فيها أحدا من البشر إلا بعد عشر سنوات من الوحدة ، فكان عليه تدبر أموره بنفسه . إذا ، فالشخص المنعزل أيضا يتصرف على نحو اقتصادي ، لأنه يأخذ ما تهبه الطبيعة إياه ، ويستبدل بالوضع الراهن بيئة يأمل أن تكون أكثر ملاءمة له . لماذا ندرس الاقتصاد؟ أحد أسباب دراسة الاقتصاد هو أنه ، ببساطة ، علم شائق . فعندما نتوقف ونفكر فيما يحدث يوميا في أي اقتصاد معاصر ، حتما ستتملكنا الدهشة . نفكر ، مثلا ، في جزيرة " مانهاتن " الصاخبة في نيويورك ؛ ملايين الأفراد يعملون على أرض هذه الجزيرة بالغة الصغر التي تقل مساحتها عن 60 كيلومترا مربعا . من الواضح أنه لا ينتج ما يكفي من الطعام على هذه الجزيرة لإطعام تلك الحشود . للوهلة الأولى ، قد لا يصدق البعض أن " مانهاتن " تضم بعض أرقى المطاعم في العالم ! لكن هذه المطاعم الفخمة تعتمد في عملها على موردين يزودونها بالمواد الغذائية الخام اللازمة لإعداد أطباقها باهظة التكلفة . فلو افترضنا ، مثلا أن غزاة من المريخ أحاطوا " مانهاتن " بفقاعة بلاستيكية ، غير قابلة للاختراق ( مزودة بثقوب صغيرة للسماح بالتهوية )، فسيموت مئات الآلاف من سكان مدينة نيويورك جوعا ، في غضون شهرين على الأكثر . لكن في عالم الواقع ، حيث لا توجد فقاعة بلاستيكية مريخية تحول دون سريان الحركة التجارية ، تشحن المنتجات الزراعية ، والبنزين ، وسلع أخرى يوميا إلى مانهاتن ، فلا تتيح هذه السلع لسكانها أن يسدوا رمقهم فحسب ، بل تمنحهم أيضا عيشا رغدا . والعمال على أرض هذه الجزيرة الصغيرة يحولون المواد المتاحة لهم إلى أعلى السلع والخدمات قيمة على الكوكب ، كالمجوهرات باهظة الثمن ، والملابس ، والخدمات المالية ، وخدمات المحاماة ، وعروض مسارح " برودواي " التي تنتج جميعا في مانهاتن . وعندما نتأمل مدى التعقيد الرهيب الذي تتسم به جميع هذه العمليات ، فسنتعجب من أنها تجري على ما يرام وبمنتهى السلاسة ، إلى حد أننا بتنا نعتبره أمرا عاديا . والخلاصة أن اقتصاد السوق هو الذي يحقق مثل هذه الإنجازات يوما بعد يوم . . 1 اظهرت الشخصية الشهيرة في رواية للروائي الإنجليزي دانيال ديفو تحمل الاسم نفسه عام . 1719
|