עמוד:79
- ذكرتني إشارتك إلى اسم الجاحظ بنادرة مضحكة يرويها الجاحظ عن نفسه ... كان من عادة الجاحظ أن يستأجر متاجر الوراقين– وهي التي كانت تؤدي في زمانه عمل المكتبات في أيامنا هذه- فيقيم بها ويقرأ ما فيها من كتب ومخطوطات ، وذات يوم أقبلت امرأة لا يعرفها وهو جالس في متجر وراق ، سلمت عليه ورجته أن يصحبها ليقدم لها خدمة عظيمة ، خدمة عاجلة لا تحتمل الانتظار ! فأشفق الجاحظ على المرأة ، فاستجاب لرجائها ، وقام يتبعها إلى أن وقفت به أمام باب الصائغ ، وخرج الصائغ لاستقبالهما ، فأشارت المرأة إلى الجاحظ وقالت للصائغ كلمة واحدة : "هكذا ... " ! وانصرفت فورا . واستولت الحيرة على الجاحظ ، فسأل الصائغ : - هذه المرأة ... ما حكايتها ? لقد رجتني أن أصحبها لأقدم لها خدمة عظيمة ... خدمة لا تحتمل الانتظار ، وقادتني إليك ، ثم تركتني وانصرفت ! وتردد الصائغ لحظات قبل أن يجيب ، ثم غلبه الضحك فأسرع يقول : - آسف يا سيدي ! تلك المرأة جاءتني منذ ساعة وطلبت مني أن أنقش لها صورة شيطان على خاتم تخوف بها أولادها الأشقياء ، ولكنني اعتذرت لها بأني لم أر شيطانا من قبل ... ولا أعرف كيف تكون صور الشياطين ! فتركتني ومضت .. وظننت أنني ارتحت منها ، وإذا هي تعود معك وتشير إليك وهي تقول الكلمة التي سمعتها يا سيدي . ضحك أشرف ، فاستأنف والده الحديثُ : - ويحكي لنا الجاحظ في كتاب البخلاء عشرات من النوادر اللطيفة ، يرويها عن أصحابه ومعارفه ، أو ينقلها عن الرواة والقصاصين بأسلوب يشهد له بالبراعة في تصوير البخل ونقد البخلاء ، فهو إذا أراد أن يسخر من
|