|
עמוד:161
تفكك الاتحاد السو ڤ ييتي سنة 1991 وفقدانه لمكانته كدولة عظمى ، أديا إلى بقاء الولايات المتحدة الأمريكية الدولة العظمى الوحيدة . قوة الولايات المتحدة الأمريكية الآن ، بحكم كونها قطبا أوحد ، تتيح لها أن تروج لسياسة تتلاءم مع وجهة نظرها الاجتماعية – الاقتصادية التي تؤمن بالحرية الاقتصادية وإزالة جميع الحواجز والقيود على النشاط الاقتصادي في العالم كله . التطويرات التقنية ( التكنولوجية ) في مجال الحوسبة والاتصالات والمواصلات ( الحاسوب الشخصي ، الاتصالات عبر الأقمار شبكة الاصطناعية ، والهواتف الخليوية ، الإنترنت ، الطائرات النفاثة وغيرها )، أتاحت المجال أمام وجود اتصالات بين الدول وبين القارات . في أعقاب ذلك بدأت تتكون علاقات ثقافية ، وسياسية واقتصادية بشكل خاص ، بين الأفراد والمجموعات في الدول المختلفة . العولمة الاقتصادية التي تهدف إلى تحويل العالم إلى سوق اقتصادية واحدة كبيرة ، هي ، عمليا ، جزء من التوجه الذي ينتشر في العالم حاليا – التوجه الذي يطمح إلى تعزيز اقتصاد السوق ، وزيادة حصة القطاع التجاري وقوته ، وتقليص تدخل الدولة في النشاط الاجتماعي – الاقتصادي . يمكننا القول إن الاندماج في عمليات العولمة الاقتصادية من نصيب معظم دول الرفاه في العالم ، بغض النظر إذا كانت وجهة النظر النيوليبرالية أو وجهة النظر الاجتماعية – الديمقراطية هي السائدة فيها . تختلف درجة الاندماج في هذه العمليات من دولة إلى أخرى ، وهي متأثرة بعوامل مختلفة . للعولمة الاقتصادية حسنات وسيئات أيضا . هناك دول وشرائح سكانية تستفيد منها وأخرى تعاني منها . على كل دولة أن تبلور سياسة بشأن المسائل التالية : إلى أي درجة تعمل الدولة للاندماج في عمليات العولمة الاقتصادية ، وبالذات إلى أي درجة تقوم بذلك وكيف تواجه المشاكل المختلفة التي تثيرها هذه العمليات . السياسة نحن نعيش والاقتصاد في مرحلة " انتقالية القرن القادم ستغير . لن تكون هناك منتجات أو تقنيات قومية ، ولا شركات قومية ، ولا صناعات قومية . لن يكون هناك اقتصاد قومي ... بروفيسور روبرت ب . رايخ ، وزير العمل في حكومة كلينتون في الولايات المتحدة الأمريكية ما بين 1993–1997 العولمة – جوانب مختلفة عمليات العولمة التي تؤدي إلى التوحيد ، الدمج والتقريب بين الدول ، والسكان ، والشعوب المختلفة ، تحدث لا على المستوى الاقتصادي فحسب ، بل في مجالات كثيرة أخرى . في هذا الكتاب سنتناول في الأساس المجال الاجتماعي – الاقتصادي ، ولكن نتطرق قليلا إلى مجالات إضافية تحدث فيها عمليات العولمة التي لها أيضا تأثير على المجال الاجتماعي – الاقتصادي ، ومنها : الثقافة : في عصر العولمة يزداد التأثير الثقافي بين الدول المختلفة . وبشكل خاص الأمركة ( Americanization ) – تأثير الولايات المتحدة الأمريكية على العالم كله في مواضيع مثل : الأزياء ، الموسيقا ، المواد الغذائية ، الاستهلاك ، نمط الحياة وغيرها . هذه العملية تجر في أعقابها عمليات أخرى مثل : اختفاء ثقافات تقليدية عتيقة ، وزيادة العلمانية والإباحية وغيرها . السياسة : في عصر العولمة ، والقيم الديمقراطية والإنسانية التي تراعي الاعتراف بحقوق الإنسان والحريات الشخصية ، يتم في أماكن كثيرة في العالم استيعاب قضايا هامة مثل : تكافؤ الفرص ، حرية التعبير ، حرية العقيدة والعبادة ، تحسين مكانة المرأة ، التركيز على حقوق الطفل ، وإظهار التسامح تجاه مجموعات الأقليات وغيرها . جودة البيئة : لعمليات العولمة تأثير كبير على البيئة ، وحاليا هناك إجماع على أن أعمال التطوير المختلفة التي تعاظمت في عصر العولمة تسيء إلى البيئة الطبيعية . انتشار ثقافة الاستهلاك ، والزيادة في الإنتاج المتصل بها ، هما من العوامل الرئيسية لاحترار الأرض ، تراكم كميات كبيرة من النفايات ، تقليص وتلويث مصادر المياه العذبة ، تلويث الهواء وتقليص تشكيلة الأنواع على سطح الكرة الأرضية . التمدين : في عصر العولمة تطورت مدن عالمية كبيرة ، مثل نيو يورك التي تعتبر مراكز للنشاط الاقتصادي العالمي ، وعبرها تنتشر نشاطات العولمة الاقتصادية . بسبب التأثير العظيم لعمليات العولمة على العالم في مجالات مختلفة ، هناك أحيانا إحساس بأن العالم تحول إلى مكان فيه العلاقات بين الناس تشبه إلى حد كبير العلاقات بين سكان قرية صغيرة ، من هنا المصطلح الدارج في أيامنا " القرية الكونية " . في تشرين الثاني من سنة 1989 هدم سور برلين – السور الذي قسم ألمانيا وعاصمتها في أعقاب الحرب العالمية الثانية . سقوط السور كان رمزا لسقوط الاتحاد السو ڤ ييتي ، وانتصارا للديمقراطية والرأسمالية على الشيوعية . يرى الكثيرون في هذا الحدث بداية عصر العولمة الحديث . في الصورة بقايا السور ، 1990
|