עמוד:112
يتمنى لو أنها تحكي له عن مشاعرها : أتقولين بأنك راضية بعيشتك وسعيدة معي؟ يريد أن يؤكد لها ما يشعر به نحوها : حقا أنت رفيقة مخلصة ووفية . وأنا أيضا سعيد معك . ها نحن قد وصلنا ، استعدي لمشاهدة ضخامة وعظمة المكان . هنا . يقترب باسل من المحطة التي يجلس فيها يوميا . يجلس على أرض الممشى المرصوف ويتنفس الصعداء . يتحسس صرته الصغيرة التي اعتاد أن يعلقها برقبته كل صباح والتي منها يستمد بركة نهاره الجديد . يقعد منتظرا "أبو صخر" ليحضر له كعادته ، حصته من الورود والزنابق . يبش وجه باسل ويتهلل مبتهجا حين يلمح "أبو صخر" قادما نحوه . المحطة المركزية في المدينة الكبيرة المزدحمة تسرع له دقات قلبه وتجعله يشعر بالتوتر والرهبة . حركة ناس المدينة الكبيرة المزدحمة تسبب له النفعال وعدم الطمئنان . ضخامة المباني والمعالم تجعله يشعر بالوحدة والغربة . أما حين يهل عليه "أبو صخر" كعادته ، بسحنته المألوفة والصادقة ، تختفي مخاوفه ويتلاشى توتره ، فيبدأ قلبه يرقص فرحا ويدق أنغاما سعيدة . ها هو "أبو صخر" قادم إلينا ، أترين؟ يحاول باسل مداعبة مخاوفه . ماذا تقولين؟ إنك ترتاحين إليه وتطمئنين له؟ وأنا أيضا أشعر ذلك . كم نحن متشابهان . هل يرتعد قلبك ، مثلي ، حينما ندخل المدينة؟ إنك توافقينني طبعا . نحن متفقان في كل شيء . يقترب "أبو صخر" ويجلس بجانبه ، فيتنهد باسل سعيدا ويقول : كم أشعر بالرتياح عندما تطل مقبلا نحوي . اعتاد "أبو صخر" أن يلتقي باسل في مطلع شمس كل نهار جديد . يحضر "أبو صخر" كل صباح لباسل عددا معينا من الزنابق والورود مقابل مبلغ من المال يدفعه له كعمولة . وبعد انتهاء النهار يكون قد أفرغ دلوه من الورود بعد أن اشتراها المارة من أهل المدينة . يخبئ باسل بطيات صرته ما يتبقى له من بعض القطع النقدية التي دأب تحويشها من بيع الورود . صرته هي خزنته ورفيقة دربه ، فهي تحمل رائحة عبق أمه وأبيه . في بداية عمله في بيع الورود ، كثيرا ما سأل "أبو صخر" متعجبا : لماذا يشتري أهل المدينة الورود؟ الورود هدية جميلة . كان يجيبه "أبو صخر" باختصار . ما هي تلك المناسبات الكثيرة التي تحتاج لهذه الكميات الكبيرة من الورود؟ كان باسل يريد أن يفهم سر تهافت أهل المدينة الكبيرة على شراء الورود .
|