עמוד:268

زهرة تتحول إلى لعنة " امتلأت الأعماق بعطر زهرة الفل الغامض العجيب ، وحرك مشاعري شيء يستعصي على التفسير . وراح القلب يذوب كالجليد تحت تأثير أغاني محمد عبد الوهاب المترعة بالعاطفية . فقدت شهيتي للطعام ، وعرفت الأرق الجميل ، المليء بالأخيلة والتصورات الهانئة ، ولأول مرة عرفت كيف يغطي وجه إنسان ما كل الوجوه الأخرى ، ويكتسح الوجود بكامله " . كان غلاما في السادسة عشرة من العمر ، ولم تتعد الحكاية حدود المتابعة اليومية في ذهابي وإيابي ، فما كان لمثلي أن تزوغ يمينا أو شمالا ، كانت الطاعة من أبرز صفاتي ، وكنت مسكونة دائما بالخوف من أهلي . كان التواصل الوحيد الذي جرى لي مع الغلام هو زهرة فل ، ركض إلي بها ذات يوم صبي صغير في " حارة العقبة " وأنا في طريقي لبيت خالتي " . وتكمل : " ثم حلت اللعنة التي تضع النهاية لكل الأشياء الجميلة . كان هناك من يرقب المتابعة ، فوشى بالأمر لأخي يوسف ، ودخل يوسف علي كزوبعة هائجة : " قولي الصدق " . وقلت الصدق لأنجو من قبضة يوسف الذي كان يمارس رياضة حمل الأثقال . أصدر حكمه القاضي بالإقامة الجبرية في البيت حتى يوم مماتي . حملت عمتي وأفراد أسرة عمي منظارهم المكبر كي ينظروا من خلاله إلى الحادثة الصبيانية البريئة ، فيعطوها حجما أكبر من حجمها . شرعوا يسلطون علي نظراتهم المتشككة ويحملون عني أفكارا جائرة . انزرعت في نفسي الغضة الطرية فكرة سيئة عن نفسي ، خلقت في عادة السير ، وأنا مطأطئة الرأس ، لا أجرؤ على رفع عيني نحو وجوههم التي كانت تلقاني ، صباح مساء بالعبوس والكراهية . لقد شوهوني أمام نفسي " . عودة إبراهيم إن وجه إبراهيم الذي عاد في تموز عام 1929 من بيروت ليمارس مهنة التعليم في مدرسة النجاح الوطنية ، جعلها تتعرف على وجه جديد من الرجال ، وخفف من حدتها الثائرة . وقد كان إبراهيم أخوها يمثل الجانب الآخر في حياتها ؛ الجنس المضيء والصوت الحنون . فمع وجه إبراهيم أشرق وجه ﷲ عليها ، وهو الوحيد الذي ملأ الفراغ النفسي الذي عانت منه . أحبت فدوى أخاها إبراهيم حبا جما ، وأعطته كل الحنان ؛ حتى أصبحت خدمته وتهيئة شؤونه هدف حياتها ، ومصدر سعادتها المفقودة . ظهور إبراهيم أعطى قيمة مميزة لفدوى ؛ فقد وجدت إبراهيم كالغيث المنهمر من السماء . هو كالطبيب الماهر الذي تلمس طريقة العلاج في إسعاف مريضته ، فأخذ بيدها منذ البداية إلى شاطئ الأمان ؛ فهو المعلم الأول للشعر ، " الشعر طعمه عذب " ، هكذا قالت فدوى لأخيها إبراهيم حين تذوقته للمرة الأولى .

מטח : המרכז לטכנולוגיה חינוכית


לצפייה מיטבית ורציפה בכותר