עמוד:127

نص الاستماع بين مكتبتين في الشارع الرئيس للمدينة الصغيرة التي أسكن فيها ، يقع محل لبيع الكتب ، يلفت إليه الأنظار بأكوام الكتب المتراصة في صناديق الورق المقوى بأسعار زهيدة ، توحي إليك بأن المحل في حالة استعداد للإغلاق . وقد دخلت المحل أكثر من مرة بهذه الروح دون أن أسأل عن ساعة الإغلاق ، واشتريت عشرات الكتب ، وحملتها لمسافات تنسيني طولها بهجة الكتب ، وتذك ّرني إياها آلام الظهر والكتفين فيما بعد . الوراق في هذا المحل قصير القامة ، نحيف الجسم ، في حوالي العقد السادس من عمره ، نشط الحركة حسن الهيئة ، بعينين مطلعتين ووجه مرحب . ويحيي الرجل الزائرات والزوار ، حال دخولهن ودخولهم ، بطريقة تشعرك بأنه يعرف نوع الكتب التي يفضلنها ويفضلونها ، بعد حوار قصير بصوته الخفيض والواضح النبرات . سألته عن أرفف الشعر في المكان المزدحم بالكتب الجديدة والأخرى المقروءة المعاد بيعها ؛ فالمحل يبيع ويشتري الكتب كما علمت فيما بعد ، فأنفق الوراق زمنا كريما معي حتى شعرت بالذنب إزاء بقية زبائنه المصطفين ليدفعوا له قيمة الكتب التي اختاروها من بين زوايا المكان الأليف . وجدت كتابين لمؤلف واحد ، وبدأ صاحب الكتب يبحث معي عن ثالث ، قال إنه متأك ّد من وجوده في مكان ما في المكتبة . قلت له تقديرا وإشفاقا ألا يشغل نفسه بالأمر ، وأنني سأعود مرارا للمحل فيما بعد ، فمضى وهو يعتذر بكلمات تجمع بين محبته لمحله واعترافه بعدم تنظيمه ، وعند ذهابي لأدفع قيمة ما اشتريت ، أعطاني تخفيضا لم أطلبه منه ، وابتسامة مشجعة تحفز على العودة وتنسي آلام الظهر . العطر الوحيد في المكان هو رائحة الكتب ، الجديدة والمقروءة من قبل ، والموسيقا الوحيدة هناك هي صوت الوراق المريح ، وهو يتنقل بين الممرات الضيقة في أقسام المكتبة ، متمتما بعبارات العارف بالكتب ، المحترم لأمزجة محبات القراءة ومحبيها . إضاءة المكان معقولة ولكنها أقل من المعتاد في المحلات التجارية ، وصفوف الكتب وصناديقها فيه تمتد من الأرض إلى السقف ، وتتكون المكتبة من طابق واحد أرضي . داومت على زيارة المحل ، لإلقاء التحية فقط حينا أو لشراء الكتب في معظم الأحيان ، ولكن شاغلا قطع زياراتي لمدة شهر أو نحوه . وعندما دلفت إلى المحل بعد ذلك وأنا أتشوق للقاء الوراق والكتب ، وجدت المكان كما تركته ، ولكن رجلا في حوالي نهاية الأربعين ، ثقيل الجسد والروح احتل مكان الوراق المريح العارف العريف . وبدا الوراق الجديد كسول الهيئة بلغة جسد ركيكة تشي بعدم الاحترام . رآني أدخل فلم يرفع عينيه عن لعبة أرقام في رقعة ورقية وهو يجلس خلف المكتب الذي كان ينهض خلفه الوراق القديم في معظم الأحيان . سألته عن مجموعة كتب كنت رأيتها من قبل ، فأشار علي بإحضار صندوق كبير ليقوم بفرز الكتب داخله وهو جالس في مكانه . قلت له بين حزم وخيبة أمل : " أليس هذا واجبك يا سيد ؟" نهض متثاقلا وهو يدير عينيه في محجريهما لأعلى للتعبير عن تضجره وضيقه بي . عاد بالصندوق ، وكنت على استعداد ، قبل حركة تدوير العينين لفحص الكتب بنفسي جلوسا على الأرض كما كنت أفعل بحضور الوراق الأول ، ولكني لم أمد يدي إليها مع البائع الجديد وتركته يقوم بالمهمة حانقا . انتقيت خمسة كتب لكاتب واحد ، وكنت أراجع تواريخ الإصدار ، فيما جلس هو إلى طاولة المحاسبة النقدية ينتظرني . ولكنه لم يطق صبرا فقال بصوت لزج وهو يتركها : " أخبريني عندما تكوني مستعدة للدفع ! " طالبته أن يكون أكثر صبرا واحتراما ، وسألته إن كان فعلا يحب الكتب ، فرد علي مرة أخرى بطريقة من لا يهتم فيها بإتمام عباراته : " فقط ... أه ... الأمر . " ..

מטח : המרכז לטכנולוגיה חינוכית


לצפייה מיטבית ורציפה בכותר