עמוד:104

الفصل الرابع من يوميات نائب في الأرياف 12 أكتوبر : كانت ليلة متعبة قضيناها حتى الصباح في مركز التحقيق ومعاينة الحادثة وسماع الشهود وكتابة الـمحضر في جناية شائكة وقعت الليلة في أحد الأرياف . عدت أنا ومساعدي والـمأمور في سيارة النيابة ، وما وصلنا إلى الـمحكمة حتى كان ميعاد الجلسة قد حان ، فشاهدنا الأهالي ببابها مـجتمعين كالذباب ، ونزلت أشق طريقا بين أكوام الرجال والنساء والأطفال . ودخلت حجرة الـمداولة فوجدت القاضي في النتظار ، معلنا بداية الجلسة . وكان أول ما فعلت أن نظرت في الأوراق ، فإذا أمامنا سبعون مخالفة وأربعون جنحة . عدد- والحمد لله- كفيل أن يجلسنا بلا حراك مع القاضي طول اليوم . ومثل شاب يافع أول الـمخالفين أمام القاضي الغارق في الأوراق ، فرفع القاضي رأسه ووضع منظاره السميك على أنفه ، وقال : - أنت خالفت لئحة السلخانات ، بأن ذبحت خروفا خارج السلخانة . - يا سيدي القاضي ، الخروف ... ذبحناه- ول مؤاخذه- في ليلة حظ - عقبال عندك - بمناسبة الـمولود الجديد . - غرامة عشرين قرشا . غيره ... - فنادى الـمحضر ، ونادى ثم نادى ... مخالفات متتابعة كلها من النوع الذي مضى الحكم فيه ، وقد تركت القاضي يحكم وجعلت أروح عن نفسي بمشاهدة الأهالي الحاضرين في الجلسة ، وقد ملأوا الـمقاعد وفاض فيضهم على الأرض والـممرات ، فجلسوا القرفصاء كأنهم الماشية يرفعون عيونهم الخاشعة إلى القاضي وهو ينطق الحكم كأنه راع في يديه عصا . وضاق القاضي بذلك اللون الـمتكرر من الـمخالفات فصاح : - فهموني الحكاية ! الجلسة كلها خرفان خارج السلخانة ! وحملق في الناس بعينين كالحمصتين خلف الـمنظار الراقص على طرف أنفه . ومضى الـمحضر وقد تغير نوع الـمخالفة ، ودخلنا في نوع جديد ، فقد قال القاضي لرجل في الثلاثين من عمره : - أنت رجل متهم بأنك غسلت ملابسك في الترعة . - يا سعادة القاضي ربنا يعلي مراتبك ، بتحكم علي بغرامة لأني غسلت ملابسي؟ ! - لأنك غسلتها في الترعة . - وأغسلها فين ! ؟ فتردد القاضي وفكر ولم يستطع جوابا ، ذلك أنه يعرف أن هؤلء الـمساكين ل يـملكون في تلك القرى الريفية أحواضا يصب فيها الماء الصافي ، ومع ذلك يطلب منهم أن يخضعوا للقانون . والتفت القاضي إلي وقال : - النيابة ! - النيابة ليس لها شأن أن تبحث أين يغسل هذا الرجل ملابسه ، ولكن ما يعنيها هو تطبيق القانون ! فأشاح القاضي

מטח : המרכז לטכנולוגיה חינוכית


לצפייה מיטבית ורציפה בכותר