|
עמוד:136
136 أين لنا التنعّمُ بكلِّ مزايا الإنترنتِّ دونَ التعرّضِ يومًا لإمكانيّةِ توقّفِ خدماتِهِ معَ التبعاتِ الكارثيّةِ التي ل نتصوّرُ لها حجمًا؟ مِن أين لنا سهولةُ النتقالِ إلى أقصى مكانٍ في العالمِ دونَ أن يؤدّيَ ذلك أيضًا إلى انتشارِ هذا الفيروسِ وغيرِهِ انتشارَ النارِ في الهشيمِ ؟ 10 هكذا جهِلْنا، أو تجاهَلْنا، قانونًا بَدَهِيًّا مقتضاهُ أنّل شيءَ في هذا العالمِ بالمجّانِ، وأنّ لكلِّ ثمينٍ ثمنًا . 11 مجملُ القولِ : كور ونا وأخواتُها ظاهرةٌ لمرحلةٍ مفصليّةٍ تمرُّ بها البشريّةُ، وهي مرحلةٌل أحدَ يعلمُ هل ومتى وعلى أيِّ حالةٍ ستتوقّفُ . كلُّ ما نحن متأكّدونَ منه هو أنّنا سنواجَهُ مستقبلاً بجوائحَ وكوارثَ طبيعيّةٍ أخر ى، أو بحروبِ الإنترنتِّ التي قد تدمّرُ القتصادَ أكثرَ مِن أيِّ حربٍ ذَرّيّةٍ . 12 كلُّ ما تمرُّ به البشريّةُ مِن تجاربَ يجبُ أن يُستثمَرَ لمواجهةِ التحدّياتِ الضخمةِ التي تنتظرُنا، وعلينا أن نعيَ أنّ تكاثرَ الأخطارِ وتعاظمَ التحدّياتِ يفرضانِ علينا جميعًا جهدًا كبيرًا على ثلاثةِ مستوياتٍ : المستوى النفسيِّالاجتماعيِّ : يجبُ تهيّئةُ الأجيالِ الحاليّةِ، وخاصّةً أجيالَ المستقبلِ، للتأقلمِ السريعِ معَ الطارئِ وغيرِ المتوقّعِ . كذلك، ل بدَّ مِن تطليقِ وهمِ الستقرارِ، لأنّ الأزمةَ هي الشيءُ الثابتُ الوحيدُ في الوضعِ الجديدِ، والمستقبلُ لن ينتهيَ مِن أزمةٍ إلّ ليُسلّمَنا لأخرى . المستوى الفكريِّالثقافيِّ : نحتاجُ جيلاً جديدًا مِنَ المفكّرينَ والمثقّفينَ والإعلاميّينَ الذين يتعاملونَ بأفكارٍ مبتكَرةٍ ومنهجيّاتٍ مختلفةٍ معَ مشاكلَ غيرِ مسبوقةٍ بتعقيدٍ غيرِ مسبوقٍ، ليبحثوا، بتواضعٍ غيرِ مسبوقٍ، عن حزمةِ حلولٍ كلُّها موجودةٌ في رحمِ المستقبلِ، ل في الوصفاتِ التي تقادَمَ عهدُها . المستوى السياسيِّالمحلّيِّ والعالميِّ : يجبُ على كلِّ سلطةٍ أن تنخرطَ في مخطّطاتِ حمايةٍ للأمدِ القريبِ والمتوسّطِ والبعيدِ، وإلّ فهيَ غيرُ جديرةٍ بالمسؤوليّةِ، والمطلوبُ هو اعتمادُ خططٍ محكمةٍ لتوفيرِ احتياطيٍّ إستراتيجيٍّ مِنَ الدواءِ والغذاءِ والوقودِ، لمواجهةِ كوارثَ مناخيّةٍ ستتكاثرُ، وأوبئةٍ بفيروساتٍ مجهولةٍ ستفاجئُنا مستقبلاً كما فاجأَتْنا هذه الجائحةُ . 13 ختامًا، هناك أملٌ حقيقيٌّ في قدرتِنا على رفعِ كلِّ التحدّياتِ؛ فالأزماتُ التي نواجهُها تبلورُ أحسنَ ما فينا، فهي ل تُبرِزُ قيمَ التعاضدِ والمُساندةِ والإيثارِ فقط، وإنّما تشحذُ الذكاءَ والإرادةَ أيضًا كما تفعلُ التحدّياتُ الكبرى، ول ضيرَ أن يكونَ الخوفُ المحرّكَ الأوّليَّ لذلك . بتصرّفٍ عن : منصف المرزوقيّ، "كورونا وأخواتها" ، الجزيرة نت، 2020 .
|