עמוד:134

134 كور ونا وأخواتُها 1 بدايةُ الستينيّاتِ، كنْتُ تلميذًا في المعهدِ الثانويِّ الفرنسيِّ في مدينةِ طنجةَ المغربيّةِ . وأذكرُ ذلك اليومَ الستثنائيَّ حينَ وقفْتُ معَ جمعٍ مِنَ التلاميذِ وكأنَّ على ر ؤوسِنا الطيرَ بعدَ أن أُعلِنَ تعليقُ كلِّ الدر وسِ؛ إذ كانَ العالمُ آنذاك يعيشُ أخطرَ أزمةٍ إثرَ فرضِ أميركا الحصارَ على كوبا، وعزمِ التّحادِ السوفييتيِّ كسرَ ذلك الحصارِ بالقوّةِ . يومَها أخذْنا نناقشُ أستاذَ الرياضيّاتِ، في بهوِ المعهدِ، بشأنِ ما يتعيّنُ علينا توقّعُهُ وفعلُهُ عندما تندلعُ الحربُ الذرّيّةُ بينَ الر وسِ والأمريكانِ . 2 بقينا قلقينَ نعيشُ حالةً مِنَ الترقُّبِ إلى أن وصلَ إلى أسماعِنا أنّ الأسطولَ الر وسيَّ المتّجهَ إلى كوبا قد عادَ أدراجَهُ؛ حينَها فقط، استردَّ العالمُ - الذي عاشَ فعلاً على حافّةِ الهاويةِ – أنفاسَهُ . وما كانَ علينا بعدَ هذه الأزمةِ إلّ أن نتحمّلَ، طيلةَ عقدَيْنِ، ما ل يُعدُّ ول يُحصى مِن أفلامِ نهايةِ العالمِ، كلُّها تصفُ الحربَ الذرّيّةَ القادمةَ، وكيفَ سنعيشُ بينَ ركامِ المدنِ نتقاتلُ على آخرِ جيفةٍ . 3 في الثمانينيّاتِ مِنَ القرنِ العشرينَ، تحوّلَ هاجسُ الخوفِ إلى وباءِ نقصِ المناعةِ المكتسَبِ ( الإيدز ) ، ثمّ هاجمَنا هاجسُ دخولِ سنةِ الألفَيْنِ وكيفَ ستتوقّفُ كلُّ الحواسيبِ عنِ العملِ لخللٍ في برمجتِها لم يأخذْ بالحسبانِ المر ورَ مِنَ القرنِ العشرينَ للقرنِ الحادي والعشرينَ . كم صدّعوا رؤوسَنا بهذه القصّةِ، وكيفَ ستحطُّ الطائراتُ فوقَ الأشجارِ، وتصابُ محطّاتُ الكهرباءِ بالشللِ ! كم مِنَ الناسِ عاشوا ليلةَ النتقالِ إلى سنةِ 2000 وهم يتوقّعونَ سقوطَ السماءِ على ر ؤوسِهم ! 4 لنضعِ التواريخَ جنبًا إلى جنبٍ ونستخلصِ النتيجةَ : عامَ 1962 وقعَتْ أزمةُ صواريخِ كوبا؛ عامَ 1980 بدأَتْ أزمةُ نقصِ المناعةِ المكتسَبِ؛ عامَ 1999 أصابَنا رعبُ توقّفِ الحواسيبِ؛ عامَ 2019 هاجمَتْنا أزمةُ فير وسِ كورونا . إذًا، ها هو العالمُ، كلَّ عشرينَ سنةٍ تقريبًا، نجدُهُ يرزحُ تحتَ أزمةٍ ضخمةٍ تختلفُ عن كلِّ ما عرفَهُ التاريخُ مِن أزماتٍ قبلَها ل سيّما وأنّ آثارَها لم تعدْ محلّيّةً أو إقليميّةً فقط، وإنّما تشملُ البشريّةَ والعالمَ . 5 وإذا دقّقْنا النظرَ في السنواتِ العشرينَ الأخيرةِ فسنلاحظُ أنّها شهدَتْ تفجّرَ ثلاثةِ تهديداتٍ كبر ى على الصحّةِ العالميّةِ، هي : وباءُ سارس ( 2002 ) ، وباءُ ميرس ( 2012 ) ووباءُ إيبول ( 2014 ) ولكي تتّضحَ الصورةُ كاملةً فلنضعْ هذه الأزماتِ السياسيّةَ والصحّيّةَ في الإطارِ الأوسعِ، ولنُضفْ إليها التغيّرَ المناخيَّ وما يترتّبُ عليه مِن كوارثَ كالحرائقِ الكبر ى التي اندلعَتْ خلالَ السنواتِ الأربعِ الأخيرةِ في البرتغالِ، السويدِ، كاليفورنيا، البرازيلِ، الكنغو، ر وسيا، وأستراليا، ممّا أضرمَ الخوفَ في قلوبِ البشرِ، حتّى وصلَ الأمرُ ببعضِهم أنّهم حسبونا قد دخلْنا مرحلةَ النقراضِ

מטח : המרכז לטכנולוגיה חינוכית


לצפייה מיטבית ורציפה בכותר