עמוד:188

وابتدرنا قائلا : " أصغوا إلي جيدا ، إنني أخشى المخاطرة بهذه السفينة الصغيرة وسط العاصفة ، التي لا تبدو نهايتها قريبة ، والبقاء هنا آمن من الرحيل ، وبوادر العاصفة تظهر من جديد ، وعليكم أن تتركوا السفينة وتلتحقوا بهذه السفن القريبة ، قبل أن تبحر فهي أكبر حجما وأشد قدرة على الصمود . سمعت كلماته وكأنها لحن النجاة ، وطلبنا منه أن يسبح معنا ، فكانت المفاجأة الرهيبة ، إنه لا يستطيع أن يفعل ذلك ! فإن الصبي أمانة في عنقه ، وهو لا يجيد السباحة ، والسفن الكبيرة لا يمكن أن تقترب من هذه المنطقة الوعرة ، ولا مفر من أن نتركه مع الصبي ، وحدهما ، لأنه مصمم على البقاء ، وعبثا حاولنا إقناعه بأن نحمل الصبي معنا ، فالعاصفة تهدد بالشدة ، والسفن توشك أن تتحرك ، فاستثار كلام ( النوخذة ) شهامة البحارة ومروءتهم ، وبعد أن تهيأ كل منهم للنزول إلى الماء ، أعادوا ما في أيديهم ، وقرروا الاعتصام معه بالسفينة ، أما أنا فاشتدت قبضة يدي على حبل العوامة ، والتصق متاعي بظهري ، ومرت أمامي صورتك الحبيبة من خلال العاصفة ، وقد مددت يديك الغضتين إلي ، ونهضت مندفعا نحوي ، وابتسامتك البريئة تملأ وجودي كله ، فلم أفق إلا على صوت ارتطامي بالماء ، واتجاهي بعنف نحو سفينة رفعت مراسيها وتهيأت للإبحار ، وألقى إلي بحارتها بالحبال فصعدت على ظهرها . ونظرت إلى أبي راشد وسفينته الصغيرة وحوله البحارة والصبي ، يصارعون بصبر وثبات ، وحال سواد العاصفة بيننا ، وغابت السفينة الكبيرة في عمق البحر . وفي اليوم الثالث هدأت العاصفة فخرجت سفن الغوص تبحث عنها فلم تجدها في مكانها فتنادى البحارة ، وجدوا في البحث عن السفينة فوجدوا بقايا حطامها وفيها أبو راشد والصبي وقفلت السفن راجعة وتجاوبت ألحان العودة من هنا وهناك ، وارتسمت ابتسامات العائدين حتى دنت السفينة من الشاطئ ، ورأوا الأذرع المفتوحة لاستقبالهم . أما أنا ، فما إن عرف الناس قصة السفينة حتى رأيت الجميع يغضون أبصارهم عني ، ويتهامسون من حولي وكأني أنا الذي حطم السفينة وأغرقهم . ومنذ ذلك اليوم ، أراني مسوقا إلى هذا المكان أود أن أقضي معه أيامي الباقية .

מטח : המרכז לטכנולוגיה חינוכית


לצפייה מיטבית ורציפה בכותר